الأحد، 27 يناير 2013

حكاية صديقتين ( الجزء الأخير )


قاد خالد السيارة بأخته الشيماء بسرعة فائقة وقلوبهم تسبق عجلات السيارة بأميال وأميال، وما ان وصلوا الى المدخل الرئيسي للطوارئ حتى شاهدوا منظرا وكأنه يوم الحشر في جموع الناس.. رأت كل الوجوه التي كانت تبحث عنها منذ قليل وتدق على أبوابهم .. رأت رجالا ونساء وشيوخا بمختلف الأعمار والهيئات ... رأت أناسا تعرفهم وآخرين كثر لا تعرفهم .. رأت الدموع تنهمر من عيونهم وهم يحضنون ويواسون بعضهم البعض ... ياإلهيييي !!! ماذا حدث؟ أيكون ما سمعته عن الطلق الناري صحيحا؟!!! نظرت الى أخيها ولكنه لم يكن أحسن منها حالا هذه المرة .. ترجلوا من السيارة وبحثت وتجولت بعينيها بين الجموع لا تعرف ماذا تفعل ولا تعلم ما الذي يجب السؤال عنه ... فجأة وجدت شيماء نفسها بين أحضان امرأة تبكي وتهمس بأذنها أن أباهم قتلهم !!!!!!!!!!!!!!

توقف الزمن وتلعثم اللسان ومن هول المفاجأة أبت الدموع أن تنزل مرة أخرى وتجمدت هي الأخرى بين مقلتيها .... من قتل من؟؟! ولماذا؟ دفعت شيماء تلك المرأة عنها وذهبت لحضن أخرى وهمست لها بنفس الكلمات.. أباهم قتلهم!! وبصعوبة بالغة استطاعت كلمات شيماء ان تجد طريقها للخروج لتسأل عن الضحية فأجابتها الفتاة التي كانت زميلة لهن أيام الدراسة عزيزة وأختها الصغرى ريم ..لطفك ياربي .. رحمتك ياربي ... اني لا أستوعب شيئا .. كانت هناك في الصباح تشرب قهوتها في مكتبها وتكلمني ... كانت هناك في الصباح ترتب أفكارها معي لمناسبة الليلة .. العرس !!! من المفترض أنهم الان في حفلة العرس !!! لا لا انهم يكذبون .. ليست عائلة عزيزة .. رفض الوعي واللاوعي فهم ما حدث ، فما يتكلمون عنه لا يحدث في واقعنا ... اللهم لا اعتراض .. جلست في اقرب أريكة تبحث بعيونها عن أم عزيزة حتى لمحتها داخل إحدى السيارات هرولت اليها وارتمت بين أحضانها وسالت دموعهما فيضا غزيرا .. تريد أن تسأل ولا تستطيع تريد أن تعرف الحكاية ولكن أين هي الكلمات ... بعد فترة طوييييلة جدا بدت كالدهر عرفت الشيماء أن صديقة عمرها قد أطلق عليها والدها النار هي وأختها ريم وانهما الان في غرفة العمليات... وإليكم القصة نبدئها من البداية..

وجدت سيارة عزيزة بعد البحث لا تزال مركونة أمام مقر عملها .. وما تم اكتشافه لاحقا أن أباها جاء الى مقر عملها وإصطحبها معه الى بيته ... الغريب هو كيف وافقت عزيزة أن تذهب معه ؟! فقد كانت شيماء على علم بما فعله والدهم خلال سفرهم حيث أنه قد جن جنونه من سفرتهم تلك ... سبحان الله وكأنه لا يرضى بأن تزور السعادة أبنائه وأمهم!!! كيف؟ لا أعلم ولكن هذا ما لاحظته شيماء من تصرفات والدهم معهم خلال سنوات معرفتها بعزيزة...لم تكن تصرفات طبيعية من أب طبيعي... أبدا لم تمت للطبيعة وغريزة الأبوة بشئ ... المهم أنه إستغل طيبتها وبرها به وإصطحبها الى بيته وهناك .... آه آه مما حدث هناك لقد ربطها وأوثقها ( تلك الوضعية التي وجدتها بها الشرطة ) وتركها حبيسة تلك الغرفة الموحشة وقاد سيارته الى امارة أخرى تبعد عن مسرح الاحداث ما يقارب ٤٥ دقيقة قيادة حيث تعيش هناك ابنته الصغرى ريم التي قادها طلب الرزق الى تلك الامارة حيث وجدت فيها وظيفة تتناسب مع دراستها وتشاركت السكن مع عائلة من أقاربهم .

قاد هذا الرجل المسمى بالأب سيارته الى البيت الذي تقطنه ريم وفتحت له الباب صاحبة المنزل والتي تكون بمرتبة الخالة لها.

الاب: السلام عليكم ياأختي أم محمد

أم محمد: وعليكم السلام اهلا وسهلا تفضل

وأدخلته أم محمد الى غرفة الصالة وهي مستغربة من سبب زيارته فلم تتعود منه ان يزور ابنته، وبعد أن قامت بواجب الضيافة نادت على ابنته وجلس الثلاثة سويا لبضع ثواني وسأل الاب ابنته عن أحوالها

ريم : الحمدلله أنا بخير

الاب: هل من الممكن أن تأتي لي ياأم محمد بكأس من الماء اذا سمحت؟

أم محمد: طبعا حالا

ريم وهي تمسك ذراع خالتها: لا تتركيني معه ياخالتي.

الاب: أتخافين من أباك ياريم ؟

أم محمد: لا تخافي ياإبنتي سأعود حالا

وليتها لم تخرج .. ليتها بقيت معها واستجابت لطلبها ... فلم تكد تصل الى باب المطبخ حتى سمعت وابلا من الطلق الناري... يالله يالله رحمتك... ركضت ووجدت ريم ترقد بين دمائها وبيد والدها مسدس أسرع في إخفائه وهرب مسرعا من البيت الى سيارته عائدا من حيث أتى تنتظره فريسة أخرى مربوطة ومكبلة داخل غرفة موحشة....

أطلق أربع رصاصات على ريم استقرت واحدة في بطنها وأخرى في قفصها الصدري والثالثة والرابعة وجدا طريقهما الى الجدار ... ونقلت الى المستشفى وأبلغت أمها بالحادثة وكان الله في عون تلك الأم التي ما أن بدأت في قطف ثمار شجرتها التي رعتها بدمها سنين طوال حتى جاء وحش لا يرحم ليقتلعها من جذورها ..... دارت الدنيا بأم عزيزة فهي لا تزال تبحث عن عزيزة .. عن أول العنقود .. عن السند .. عمن تشعر معها وبها أنها قوية ... لا تزال تبحث عن عزيزة ويأتيها خبر ريم اللهم ألطف بها وبجميع المسلمين.

ورجع الذئب الى فريسته مسرعا قبل أن يكتشف أمره... ولكن الفريسة هذه المرة اسهل بكثير .. تخيلوها معي مكسورة .. مربوطة .. دمرت نفسيا لفترة تقارب الثلاث ساعات .. مصدومة مما حدث ومما سيحدث... لا تزال تحسن الظن بوالدها.. كهذا عرفتها الشيماء دائماً تحسن الظن بوالدها الى آخر رمق!!!

رجع اليها وهو كالثور الهائج لا تزال يداه ملطخة بدم ريم تلك الريم التي كانت مثل الريم في شكلها وفي اتساع عينيها... رجع اليها وربما افزعها بخبر جريمته فلا أحد يعلم سوى الله تعالى الذي كان يراهم من فوق سبع سماوات ... وبعدها صوب المسدس الى رأسها الصغير لا لا انه لم يصوبه من بعد بل كما قالت الشرطة وضعه على جانب رأسها البرئ الطاهر وأطلق رصاصة الغدر لتستقر في الجهة الاخرى .... آه على ما عانته تلك البريئة في تلك اللحظة ...

قال تعالى ( وإذا الموؤدة سألت بأي ذنب قتلت ) صدق الله العظيم

ترى بماذا سيجيب ربه يوم الحساب !! لماذا قتلها؟؟ وبأي ذنب سلب منها حياتها؟؟ وهل جزاء الإحسان الا الإحسان بين الأغراب فكيف بين الأرحام؟!! وهي التي كانت تجمع إخوتها كل نهار جمعة برا به .. وعطفا عليه .. ورأفة بوحدته... هل يكون جزائها كهذا؟! وهي التي صانت لسانها عن أي كلمة قد تسئ اليه أو عن أي فعل قد يجرح معاني الأبوة فيه... أيكون هذا جزائها ؟؟!!

أطلق رصاصة الغدر بدم بارد ورفع سماعة الهاتف وإتصل بأحد أصدقائه قائلا لقد قتلت بناتي والآن سأقتل نفسي فإتنا بسيارة الإسعاف لتحمل جثثنا!!!!!!!!!!! ما أغربه من إنسان وما أقسى قلبه اذا كان له قلب ...

وهناك ... لنرجع هناك الى طوارئ المستشفى الى اليوم الذي كان يشبه يوم الحشر ... الى تلك الأم المنكوبة التي لا تعرف أين تذهب ففلذات أكبادها بين المستشفيات!!! أتذهب الى ريم أم تبقى بجانب عزيزة ؟ تركت كل شي وراء ظهرها ورفعت كفيها الى السماء تطلب الرحمة وترجو العون والصبر .. أو ليس الأجر في الصبر عند أول المصاب ؟! هكذا رأت شيماء تلك الأم صابرة وقوية رغم جلل المصاب .. رأت نفسها أضعف منها في تقبل هول الفاجعة .. أعطت تلك الأم المنكوبة درسا للجميع في الرضا بما قسمه الله...

خرجت عزيزة من غرفة العمليات بعد ساعات طويلة استطاع خلالها الأطباء من استخراج الرصاصة التي استقرت في الجانب الاخر من رأسها .. وبعد ليلة طوييييلة انفض الجموع من المشفى الا شيماء التي أبت أن تغادر قبل أن تدخل غرفة العناية وترى أختها التي لم تلدها أمها بعينها ... ظلت جالسة تبكي في الانتظار ومعها أخاها خالد الى أن جاء الفرج عن طريق أم شيماء واستطاعت أن تدخل إبنتها للعناية لتلقي نظرة على صديقتها التي تصارع الموت ...

ودخلت شيماء الى الغرفة وهي تقدم خطوة وتأخر الأخرى .. تخشى مسبقا مما ستراه وبأي هيئة ستلقاها ... دخلت ورأت .. وأمعنت في النظر .. هل هذه هي؟؟!! هل هي عزيزة؟! شاش ابيض كبيييير يلف رأسها ووجهها !!! لا يكاد يرى منها شي سوى عينيها المغمضتين...لم تتمالك الشيماء من هول المنظر وخرجت مسرعة يمغصها بطنها وتريد الاستفراغ .. ما هذا؟؟ أيعقل أنها هي؟! أيعقل أنه أباها من فعل بها هكذا؟!

وهكذا كانت مشيئة الرحمن .. وهذا ما إنطوت عليه صفحة الأقدار .. كتب للريم عمر جديد حيث أنها نجت بمعجزة وبقيت هناك تلك الرصاصة المستقرة في قفصها الصدري لم يلمسها الأطباء وتركوها تتعايش معها .. وأخرجوا الرصاصة الثانية من بطنها وبعد مرور مدة تعافت ريم وخرجت من المستشفى وجاءت لتلقي نظرتها الأولى على أختها الكبرى عزيزة التي قدر الله لها أن تدخل في غيبوبة طويلة ظلت فيها معلقة بين السماء والارض مدة ثمانية شهور كاملة الى أن إختارتها السماء وفاضت روحها الى بارئها......
أما هو .. من كان يسمى بالأب فقد مات في لحظة انتحاره .... ورغم كل شي فقد دفنه ولده وصلى عليه بطلب من أمه!!!!!!

من مفارقات القدر أن الشيماء وبعد مرور ٣٤ يوم كاملة على غيبوبة عزيزة طلبت منها قريبة لها اسمها روضة أن تجلب لها مجفف شعرها فوضعته الشيماء في كيس أنيق وأعطته لروضة، واذا بها تتصل بها بعد لحظات تمازحها هل الاهداء اللذي بالبطاقة موجه لي؟ استغربت شيماء وتذكرت أنها وضعت المجفف في نفس الكيس الذي أحضرته لها عزيزة مليئا بالهدايا من تلك السفرة التي جلبت ورائها ما جلبت... ركضت شيماء الى بيت روضة لاستعادة بطاقة صديقتها يدفعها الفضول لقراءة ما لم تقرأه وهي بينهم وياللعجب!!! هل تدرون ماذا كتبت في إهدائها؟! اذا إقرأوا معي هذا السطر:

(( وقت جميل ولحظات رائعة من عمر الزمان وليس هناك متسع الا للأحبة ولمن يمس القلب ))

كلمات لم تلحظ الشيماء وجودها الا بعد مرور ٣٤ يوما كاملة وأختها في غيبوبة في غرفة العناية المركزة تصارع الموت .....

ومفارقة أخرى لقد شفيت أم عزيزة من مرضها الجلدي بعد موت طليقها !!!!!! سبحان الله ... سبحان الله
النهاية

رجاء خاص
أرجوا من كل من تقرأ هذه القصة أن تدعوا لعزيزة بالجنة ونعيمها وأن يبدلها الله دارا خيرا من دارها... وقد مضى الان ٩ سنوات على وفاتها.. اللهم أدخلها فسيح جناتك.. اللهم آمين.

الثلاثاء، 8 يناير 2013

حكاية صديقتين ( الجزء الثاني )


وبعد زفاف شيماء بفترة قصيرة استطاعت أن تحقق عزيزة حلم أمها بالسفر الى وطنها الذي غابت عنه ما يقارب العشرين عاما ان لم يكن أكثر... سافرت عزيزة مع أمها وإخوتها لقضاء أول إجازة صيف خارج الغربة وفي ربوع الوطن ... تعرفت عزيزة هناك على خالاتها وأخوالها ... وتنفست أمها عبق الوطن بعد سنين غياب ... الفرحة التي شاهدتها عزيزة في عيون أمها جعلتها تشعر أنها عوضتها عن سنين الحرمان والضيم .. وأنها ساهمت في رسم البسمة في وجهها تلك البسمة التي نسيتها أمها في خضم معاناتها مع أبيها .. ولكن ودائما وكما هو المعتاد انقضت أيام الفرح والسعادة بسرعة ومرت مثل الطيف الجميل الذي سرقوه من عمر الزمن .. ورجعت العائلة مرة أخرى الى روتين الحياة برتمه السريع الباهت ، وطبعا لم تنسى عزيزة ان تجلب لصديقتها الشيماء الهدايا والتذكارات من رحلتها تلك.

كانت عزيزة قد غلفت هدايا صديقتها بطريقة جميلة ووضعتها في كيس أنيق وأرفقته ببطاقة ألصقته في الكيس وكتبت عليه اهداء.. لم تقرأه شيماء لانها لم تنتبه لتلك البطاقة أبدا حيث انها من شدة لهفتها بمحتوى الكيس لم ترى تلك البطاقة ... كما انها انشغلت بصديقتها التي رجعت من السفر وكأن هالة من السعادة قد غطت وجهها بأكمله.. رأتها بأبهى وأجمل صورة .. كانت تبدوا في سعادتها مثل الاطفال عندما يجدون ما يتمنون من الحلوى والألعاب .. كانت مثل العصافير تحلق وتغني في الأعالي .. هناك في مكان بعييييد لم يصل اليه خيال الشيماء كانت تحلق روح عزيزة من السعادة....

وبعد مرور اسبوع واحد على رجوعهم من تلك الإجازة اتصلت عزيزة من دوامها على صديقتها كالمعتاد والتي كانت هي الاخرى في الدوام وأخبرتها انها ستذهب الليلة لحضور حفل زفاف مع أمها وإخوتها ودار الحوار بين الصديقتين عن تفاصيل تجهيزاتها لحضور تلك المناسبة وانتهت المكالمة على ذلك بشكل طبيعي جدا ... وكانت تلك المكالمة آخر مكالمة بين الصديقتين.....

انتهت اوقات الدوام ورجع الناس الى بيوتهم الا هي ... لم ترجع أبدا ... ولم تحضر العرس الذي تجهزت له ... ولكن ماذا حدث؟! وأين ذهبت؟! ولماذا لم ترجع الى بيتها؟! سمعت شيماء خبرا لم تصدقه جملة وتفصيلا خبرا كذبته وقالت انها قد تكون كذبة ابريل .... خبرا كان اثقل على الروح قبل حتى أن تسمعها الأذن ... مكالمة وصلتها تخبرها بحدوث كارثة إنسانية يعجز القلم عن وصفها .. مكالمة تخبرها ان صديقة عمرها أصيبت بطلق ناري!!!!!!! طلق ناري!!! اين ؟ هنا!! في هذا الوطن الآمن الذي ننام فيه وابواب بيوتنا مفتوحة!!! طلق ناري !! اننا لا نراه الا في الأفلام التلفزيونية !! لا لا مستحيل .. هكذا صرخت الشيماء من الأعماق وهزت رأسها يمنة ويسرة ورفضت التصديق وأبت الا أن تذهب الى بيت صديقتها للتأكد حيث أنه لا أحد يجيب على التليفونات...

ذهبت شيماء الى المنطقة التي تقطنها عزيزة وبمجرد أن دخلت الشارع بسيارتها حتى استشعرت الخوف والرهبة والظلام في ذاك الشارع الذي لم يكن هكذا قبل الليلة ... وبقلب يدق وبرجل ترجف ولا تكاد تحملها ترجلت شيماء من سيارتها امام بيت عزيزة .. كان الظلام يسود البيت وليس البيت فقط بل الشارع كله دقت الجرس ولم يرد اليها أي جواب... وبخطى بطيئة مشت لبيت الجيران ودقت الباب وأيضاً ما من مجيب ... والبيت الثالث .. والرابع .. والخامس .. كل البيوت غارقة في صمت مهيب ... في ظلام مخيف .. وأخيرا لا تذكر شيماء عدد البيوت التي طرقتها ولكن في نهاية المطاف فتح الباب الاخير ... وفتحت طفلة لم تتجاوز العاشرة من عمرها سألتها الشيماء بصوت لا يكاد يسمع: اين ماما ياصغيرتي؟

الطفلة: انها ليست هنا ذهبت الى المستشفى.

الشيماء وقد بدأ نبضها في الهبوط: لماذا هل أصابها مكروه؟

الطفلة: لا أمي بخير ولكن الناس كلهم ذهبوا الى المستشفى لان عزوز ( هكذا كان الاطفال ينادونها ) مريضة قليلا.

لم تعلم الشيماء ما تفعله ودارت بها الدنيا .. وخافت ان تقود سيارتها الى المستشفى خوفا من صدمة لا تعلم حتى الان أبعادها... اتصلت بأخيها لنجدتها .. أتاها خالد .. كلمها .. طمئنها ... قال لها مستحيل أن يحدث شي من هذا القبيل... انه من سابع المستحيلات في هذا الوطن الآمن .... ولكن نفس شيماء لم تهدأ وروحها لم تطمئن .. ودمعتها سالت من مجرد احتمالية صدق الخبر ... وانطلقت بهم السيارة باتجاه المستشفى وهناك......

يتبع...

قصة مأساة واقعية ( حكاية صديقتين )


عزيزة وشيماء صديقتان انتهت حياة إحداهما بمأساة غريبة أسرد فيها هنا قصة حياتهما

كانتا زميلتان في المرحلة الإعدادية والثانوية مجرد زميلات كل واحدة تعرف اسم الاخرى وأين تسكن.. شيماء كانت تعيش مع عائلة مستقرة ومتفاهمة بين اب وأم وثلاث أخوة اما عزيزة فكانت هي الأخري لها من الأخوة ثلاث ولكنها كانت تعيش في بيت انفصل فيه الاب عن الام وكان من أولئك الآباء اللذين اذا اختلفوا مع زوجاتهم نسوا أبنائهم منها، كانت عزيزة فتاة ترى الشموخ وعزة النفس في مشيتها .. وتتعلم الحب والوفاء والبر من طريقتها مع والديها ... وترى الدفى والحنان والاحتواء من اسلوبها مع اخوتها ... وتستشعر الكرم ومساعدة الضعيف ومد يد العون لكل محتاج من حرصها الدائم على جيرانها الداني والقاصي ...كما ان لاسمها حظ الاسد في شخصيتها ....

وعرفت شيماء القليل من أخبار عائلة عزيزة عن طريق ما تناثر هنا وهناك عن المشاكل التي واجهت الام مع زوجها وكيف انه طلقها وتركها هي وأبنائها فريسة لغابة الدنيا خاصة أن الأم لم تكن متعلمة وبالتالي لم يكن لديها وظيفة تقتات منها هي وأبنائها وأترك لمخيلتكم ان تتصورا وتتخيلوا ما مرت به هذه الام في سبيل تربية أبنائها... ولكن دعوني أكشف لكم بعضا من شخصيتها .. لقد كانت تلك الأم بسيطة جدا تشعر معها بطيبة أهل الريف.. لا تتكلم كثيرا واذا تكلمت تكاد لا تسمع صوتها من خفوته .. من يرى ابتسامتها يعرف معدنها، بالرغم من تغير لون وجهها بسب مرض جلدي ألم بها جعل جسمها يتقشر دائماً مثل السمكة وقد حار الاطباء في علاجها فأكتفت بدهن وجهها وكفيها وباقي جسمها بطريقة متواصلة بالزيوت المختلفة عله يخفف عنها.. تلك كانت أم عزيزة امرأة صابرة وقوية تحملت أمواج الحياة بمدها وجزرها... وربت أبنائها تربية شهد لها كل من عرفهم حتى إشتد عودهم وأنهوا دراستهم تباعا....

تخرجت الزميلتان من الثانوية واتجهت شيماء للجامعة بعد أن ابتعثها أهلها وإتجهت عزيزة الى دورات كمبيوتر قصيرة لتبدأ بعدها رحلة البحث عن وظيفة لتساعد أمها في بقية إخوتها لانها كانت الكبرى.

ومرت بعض السنوات ورجعت شيماء وشاء القدر ان تتقابل مع عزيزة في مكان ما وأصبحتا بعدها صديقتان حميمتان وكان الناس عندما يرونهم مع بعض يعتقدون انهم أخوات لوجود شبه في الشكل بينهما وفي يوم من الايام دار الحوار التالي بينهما:

شيماء: أين تختفين نهار كل يوم جمعة؟

عزيزة: أذهب لزيارة والدي في بيته فهو لم يتزوج وأساعده في أمور المنزل من تنظيف وطبخ.

شيماء: وهل تذهبين لوحدك أم مع إخوتك؟

عزيزة: بل أصطحب إخوتي معي بالرغم أنهم لا يحبون هذه الزيارة ويتهربون منها الا أنني أرغمهم وأصطحبهم فهذا والدنا مهما بدر منه ولا أرضى عليه هجران أبنائه وإن هجرنا هو!!!!!!

سكتت شيماء ولم تعرف بماذا ترد فعزيزة تفاجئها كل يوم بجانب انساني كبير من شخصيتها.. وبعد أن أغلقت عنها الهاتف سرحت شيماء بأفكارها عن هذه العائلة وتذكرت كل ما كان يقال عن والد عزيزة وكيف أذاق أمها من الويل صنوفا... واستغربت عن بر صديقتها بوالدها بعد كل ما حدث .. ولكن الأكثر غرابة كان ان عزيزة وشيماء أصبحتا اختان لا تتفارقان الا نادرا ومع ذلك لم تتكلم عزيزة في يوم من الايام مع صديقتها عن أي شي قد يسئ لوالدها وكانت تذكر لصديقتها حسناته فقط(اذا كانت له حسنات) .

وفي يوم من الايام تشاركت عزيزة مع صديقتها في مشكلة تواجهها مع أبيها وتخص مستقبل أخاها بعد أن أنهى الثانوية حيث رفض الاب أن يلتحق ابنه بالجامعة بالرغم من أن عزيزة وأخواتها الاثنتين قد توظفوا في وظائف كريمة وعوضوا أمهم سنوات الحرمان وكانوا يريدون أن يتكفلوا بمصاريف جامعة أخيهم ولم ترد عزيزة من أباها شيئا سوى أن يسلمهم جواز سفرأخيهمسبحان الله وهل طلبت شيئا؟ لا والله انها لم تطلب منه شيئا تجاوز جواز السفر لأخيها ليلتحق بالجامعة ولكنه أبى ورفض وثار ولا يعلم له سبب!!! فهل رأى أحد منكم من يرفض الخير لابنه ولن يكلفه هذا الخير شيئا؟!

كانت هذه أول مشكلة حقيقة تتكلم فيها عزيزة عن أباها بلكنة فيها القليل من الغضب مع صديقتها الشيماء (التي كانت ذاهلة من بر صديقتها الدائم بأبيها بالرغم من كل شئ)وبعد وساطة أهل الخير استطاعوا الحصول على الجواز والتحق أخوهم بالجامعة ..

مرت الأيام وجاء موعد زفاف شيماء وأصبحت عزيزة مثل النحلة ترتب أمور زفاف صديقتها وكأنه عرسها .. كانت تحلق في الفضاء الواسع مثل العصافير من شدة فرحتها لصديقتها وتعمل في جميع الاتجاهات وتساعد صديقتها في كل شئ حتى قالت أمها أنها لم ترها بهذه السعادة في حياتها...وبعدها بسنة واحدة حدث ما لم يكن في الحسبان أبدا....

يتبع......