الثلاثاء، 8 يناير 2013

حكاية صديقتين ( الجزء الثاني )


وبعد زفاف شيماء بفترة قصيرة استطاعت أن تحقق عزيزة حلم أمها بالسفر الى وطنها الذي غابت عنه ما يقارب العشرين عاما ان لم يكن أكثر... سافرت عزيزة مع أمها وإخوتها لقضاء أول إجازة صيف خارج الغربة وفي ربوع الوطن ... تعرفت عزيزة هناك على خالاتها وأخوالها ... وتنفست أمها عبق الوطن بعد سنين غياب ... الفرحة التي شاهدتها عزيزة في عيون أمها جعلتها تشعر أنها عوضتها عن سنين الحرمان والضيم .. وأنها ساهمت في رسم البسمة في وجهها تلك البسمة التي نسيتها أمها في خضم معاناتها مع أبيها .. ولكن ودائما وكما هو المعتاد انقضت أيام الفرح والسعادة بسرعة ومرت مثل الطيف الجميل الذي سرقوه من عمر الزمن .. ورجعت العائلة مرة أخرى الى روتين الحياة برتمه السريع الباهت ، وطبعا لم تنسى عزيزة ان تجلب لصديقتها الشيماء الهدايا والتذكارات من رحلتها تلك.

كانت عزيزة قد غلفت هدايا صديقتها بطريقة جميلة ووضعتها في كيس أنيق وأرفقته ببطاقة ألصقته في الكيس وكتبت عليه اهداء.. لم تقرأه شيماء لانها لم تنتبه لتلك البطاقة أبدا حيث انها من شدة لهفتها بمحتوى الكيس لم ترى تلك البطاقة ... كما انها انشغلت بصديقتها التي رجعت من السفر وكأن هالة من السعادة قد غطت وجهها بأكمله.. رأتها بأبهى وأجمل صورة .. كانت تبدوا في سعادتها مثل الاطفال عندما يجدون ما يتمنون من الحلوى والألعاب .. كانت مثل العصافير تحلق وتغني في الأعالي .. هناك في مكان بعييييد لم يصل اليه خيال الشيماء كانت تحلق روح عزيزة من السعادة....

وبعد مرور اسبوع واحد على رجوعهم من تلك الإجازة اتصلت عزيزة من دوامها على صديقتها كالمعتاد والتي كانت هي الاخرى في الدوام وأخبرتها انها ستذهب الليلة لحضور حفل زفاف مع أمها وإخوتها ودار الحوار بين الصديقتين عن تفاصيل تجهيزاتها لحضور تلك المناسبة وانتهت المكالمة على ذلك بشكل طبيعي جدا ... وكانت تلك المكالمة آخر مكالمة بين الصديقتين.....

انتهت اوقات الدوام ورجع الناس الى بيوتهم الا هي ... لم ترجع أبدا ... ولم تحضر العرس الذي تجهزت له ... ولكن ماذا حدث؟! وأين ذهبت؟! ولماذا لم ترجع الى بيتها؟! سمعت شيماء خبرا لم تصدقه جملة وتفصيلا خبرا كذبته وقالت انها قد تكون كذبة ابريل .... خبرا كان اثقل على الروح قبل حتى أن تسمعها الأذن ... مكالمة وصلتها تخبرها بحدوث كارثة إنسانية يعجز القلم عن وصفها .. مكالمة تخبرها ان صديقة عمرها أصيبت بطلق ناري!!!!!!! طلق ناري!!! اين ؟ هنا!! في هذا الوطن الآمن الذي ننام فيه وابواب بيوتنا مفتوحة!!! طلق ناري !! اننا لا نراه الا في الأفلام التلفزيونية !! لا لا مستحيل .. هكذا صرخت الشيماء من الأعماق وهزت رأسها يمنة ويسرة ورفضت التصديق وأبت الا أن تذهب الى بيت صديقتها للتأكد حيث أنه لا أحد يجيب على التليفونات...

ذهبت شيماء الى المنطقة التي تقطنها عزيزة وبمجرد أن دخلت الشارع بسيارتها حتى استشعرت الخوف والرهبة والظلام في ذاك الشارع الذي لم يكن هكذا قبل الليلة ... وبقلب يدق وبرجل ترجف ولا تكاد تحملها ترجلت شيماء من سيارتها امام بيت عزيزة .. كان الظلام يسود البيت وليس البيت فقط بل الشارع كله دقت الجرس ولم يرد اليها أي جواب... وبخطى بطيئة مشت لبيت الجيران ودقت الباب وأيضاً ما من مجيب ... والبيت الثالث .. والرابع .. والخامس .. كل البيوت غارقة في صمت مهيب ... في ظلام مخيف .. وأخيرا لا تذكر شيماء عدد البيوت التي طرقتها ولكن في نهاية المطاف فتح الباب الاخير ... وفتحت طفلة لم تتجاوز العاشرة من عمرها سألتها الشيماء بصوت لا يكاد يسمع: اين ماما ياصغيرتي؟

الطفلة: انها ليست هنا ذهبت الى المستشفى.

الشيماء وقد بدأ نبضها في الهبوط: لماذا هل أصابها مكروه؟

الطفلة: لا أمي بخير ولكن الناس كلهم ذهبوا الى المستشفى لان عزوز ( هكذا كان الاطفال ينادونها ) مريضة قليلا.

لم تعلم الشيماء ما تفعله ودارت بها الدنيا .. وخافت ان تقود سيارتها الى المستشفى خوفا من صدمة لا تعلم حتى الان أبعادها... اتصلت بأخيها لنجدتها .. أتاها خالد .. كلمها .. طمئنها ... قال لها مستحيل أن يحدث شي من هذا القبيل... انه من سابع المستحيلات في هذا الوطن الآمن .... ولكن نفس شيماء لم تهدأ وروحها لم تطمئن .. ودمعتها سالت من مجرد احتمالية صدق الخبر ... وانطلقت بهم السيارة باتجاه المستشفى وهناك......

يتبع...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق