السبت، 24 نوفمبر 2012

الأمومة في المهجر

الأمومة في المهجر

الأمومة شي عظيم ونبيل وقد لا تكفي الكلمات للتعبير عنها ووصفها كما يجب، فبالامومة تحس المرأة بالكمال وبها تعطي أجمل ما عندها ... الأمومة كلمة تحتوي على أجمل المشاعر وأرقاها وأول تلك المشاعر العطاء بلا حدود وبلا مقابل ... الشعور بالعطاء إحساس نبيل وسامي ولكنه اصبح نادرا جدا هذه الايام والأمومة فقط لا تزال وستظل الى الأبد تحتفظ بهذه الصفة لانه شي غريزي بين الام وأطفالها.
ولكن.....

الأمومة في المهجر متعبة جدا ومرهقة ، قد يستغرب الكثيرون من وصفي هذا ولكنها الحقيقة ...فكل شي في هذا الكون يحلو بالمشاركة وأنا أرى أن أمومتي كانت ستكون أروع لو كنت بجانب أمي...

فهنا في المهجر لا تجد الام بجانبها أحدا غير زوجها .. لا تجد أما ولا أختا ولا عمة ولا خالة .. لا احد على الاطلاق ، وعليها فقط تقع كل مسئوليات الأمومة ... فلو كانت الأمهات هنا في أوطانهن وبين أهلهن لوجدن بدل اليد الف يد تمتد لمساعدتهن ... كانت الجدة ستكون أما والخالة أما والعمة أما كانت ستكون للأمومة طعم اخر ونكهة أخرى ورائحة الياسمين...

كانت ستكون هناك أيدي أمينة تقول لك ارتاحي قليلا وجددي طاقات أمومتك ولا تخافي عليهم فهم معنا في أحضاننا بأمان.... كان سيكون هناك أشخاص كثر يشاهدون ويتابعون اللحظات البريئة الحلوة التي تصدر من الاطفال ... كانت ستكون هناك تعليقات مضحكة على هذا وعلى ذاك ... كانت ستكون هناك أشياء كثيرة جدا تحلو مع المشاركة.....

اما هنا .. في المهجر .. وفي بلاد الغربة فلا يوجد شي .. تضعين اول طفل لك ولا تجدين غير زوجك من يشاركك فرحة قدومه... تتألمين من آلام ما بعد الولادة والرضيع يبكي في مهده ولا تجدين من تقول لك ارتاحي وأنا سأهتم به ... تتضورين جوعا وليس هناك من تجهز لك شوربة ساخنة أو وجبة تستردين فيها بعضا من صحتك... هنا تكونين فريسة سهلة لاكتئاب ما بعد الولادة ... والزوج المسكين يدخل في دوامة بين وظيفته الخارجية ووظيفته الجديدة كأب .... ولكنه لن يستطيع ان يسد مكان الام ( اي الجدة) مهما بذل من جهد....

وعندما يبدأ الطفل بأول شي في كل شي تكونين الشاهد الوحيد على كل شي .. لن يكون هناك من يشاركك فرحة ضحكته الاولى ولا ترقب خطوته الاولى ولا ظهور أول حبات اللؤلؤ... لحظات عظيمة ولا تتكرر تتمنين فيها مشاركة الجد والجدة والعمة والعم والخالة والخال ... مشاركة الأهل والأقارب .. مشاركة الجيران والأحباب ... ولا أبالغ اذا قلت مشاركة العالم كله..... فبالمشاركة تحلو ذكرياتنا .

وهكذا وبنفس الروتين الكئيب الذي يخلو من المشاركة يأتي الطفل الثاني والثالث ..... الخ وبعد كل ضيف جديد تكثر المسؤوليات وتكثر معها هموم الغربة .... أوليس بعد كل هذا من حق الأمهات في المهجر أن يشكون من تعب الأمومة عندما تقع على عاتقهن كل واجبات الأمومة بلا أي مساعدات خارجية؟!

وميض ذكرى
كم أتذكر صورة أول أبنائي وهو يتراقص فرحا على صدر جده وكان عمره آنذاك سنة ونصف تقريبا، كان يتراقص هناك وينظر الى الأيادي الممتدة اليه والتي تحاول ان تأخذ نصيبها في المرح معه ولكنه كان ينظر إلينا ويضحك ضحكته البريئة ويتسلق صدر جده ضاربا بعرض الحائط يداي ويدا جدته ويدا خاله..... والجميع يضحك ويقهقه...

أما في الغربة فلا يجد الرضيع سوى يد امه الممتدة اليه خاصة عندما يكون الاب معظم الوقت في شغله..... ليس هناك غير تلك اليد ولا يعرف الرضيع غير ذاك الوجه فهل تعتقدون مثلي أن أطفال المهجر محرومون من عطاء كثير ...

نعمة محمد عبدالله
٢٠١٢/١١/٢٤
لندن

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق